حكاية أغنية "كثر الحديث" كما يرويها مؤلفها الشاعر "كريم العراقي"
الحكاية مأخوذة عن كتاب "أغاني وحكاياتها" من تأليف الشاعر كريم العراقي... أرجو أن تنال رضاكم.. مع التحية.
هذه القصيدة بيروتية المولد... فبعد جولة في جنان لبنان من طرابلس الى صيدا وصور الى بعلبك وبحمدون ومن صفاء غابات الأرز رجوعا الى زحام بيروت حصدنا مع كاظم الساهر تألقا ونجاحا قلّ نظيره... وها هي الأيام الأخيرة حيث بدأنا نحزم الحقائب للعودة الى بغداد ولا بد لنا المرور بالأردن فهي نقطة الإنطلاق، كنا نعد لأغنية عن العراق... أردناها مميزة تبتعد عن صخب الأناشيد الحماسية، كي يفتتح كاظم حفلته الكبرى في مهرجان بابل الدولي في العراق.
وبين بحر "جونيه" وأشجارها رسمت الكلمات الأولى وإذا أنا نشوانا بما أنجزت صدمني كاظم وأنا أسمعه القصيدة.
- للأسف هذا ليس كريم الذي أعرفه... يبدو انك نضبت...
لاجواب عندي سوى بركة من عرق الجبين غطت كل وجهي فرميت قلمي وأوراقي ولم تشفع ضحكة كاظم ومحاولته لكسر التوتر.
- هيا غير ملابسك فنحن مدعوون الى سهرة جميلة.
وطرق كاظم الباب والجرس وكلف بعض أعضاء الفرقة لكنني صممت على البقاء في الفندق حزينا متوترا، وغادروا فانفردت بالسماء والبحر وأنا أزيح ستارة النافذة كانت همهمة عصبية تسيطر على لساني حتى كتبت:
كثر الحديث عن التي أهواها
كثر الحديث من التي أهواها؟
ما سرها؟
ما عمرها؟
ما إسمها؟
ما شكلها؟... شقراء أم سمراء؟
عيناك أحلى أنت أم عيناها؟
جلّ الذي أخشاه أن تتأثري
فتماسكي وتهيئي وتحضري
فلغيرة النسوان فعل الخنجر
هي أجمل من كل جميلة... أحلى منك وأحلى مني
هي أرشق من كل رشيقة... هي أقرب من قلبي عني
هي أبلغ من شعر كريم... أو كاظم في أروع لحن
قالوا: انك تسهر معها... طبعا طبعا
قالوا: انك تسكن معها... طبعا طبعا
عيناها بيتي وسريري ووسادة رأسي أضلعها
تمحو كل هموم حياتي لو مس جبيني إصبعها
ضميني يا أحلى إمرأة...
لو صمتت قلبي يسمعها
بـــغداد...
وهل خلق الله مثلك في الدنيا أجمعها؟
وعاد كاظم مبكرا فكنت له بالمرصاد وفي غرفته فضضت الورقة الشائكة السطور.
- إسمع
- الله... الله... هذا هو كريم... لقد نجحت باستفزازك...
وأمسك بالعود وهو يذوب مع نغماته وكنت مستغربا اللحن الذي استهل به الأغنية فلم أصفق له ورحت أتابعه بحذر ولم يحركني اللحن الى أن وصل الى: هي أجمل من كل جميلة... وتنامى الحماس واستغربت استمرار كاظم دون توقف كما لو كان يحفظ اللحن منذ زمان... انه يلحن دون عناء... لكنني حسدته كما يبدو... ذلك إنه توقف عند مقطع:
عيناها بيتي وسريري... وأعاد وصقل وغيّر وتجهّم وتأوّه وابتسم...
- إنك تلحن أوبريت لا أغنية...
واشتدت معاناة كاظم حتى توّجها بالختام... "وهل خلق الله"... وأقفلنا زر المسجل الصغير...
- مبروك يا كريم... إنهض الآن سأحتفي بك... سامحني... شايف كيف نفع معك الإستفزاز... لقد ربحنا أغنية عظيمة... تعال نسمعها لأعضاء فرقتنا الموسيقية... أحسنت.